للكلمات مفعول السمّ البطيء: أسلمة أوروبا ونظريات المؤامرة

: 4/2/23, 10:53 PM
Updated: 4/3/23, 8:37 AM
الكاتب Anders Lindberg
الكاتب Anders Lindberg

في صحيفة أفتونبلاديت الصادرة يوم الأحد 2 أبريل/نيسان 2023 كتب أندرش ليندبيرغ افتتاحية مهمة تلقي الضوء على الخطر المزعوم الذي يشكله المسلمون على السويد، أو أسلمة السويد، بحسب نظريات المؤامرة التي ظهرت بقوة في الآونة الأخيرة بدفع من جهات يمينية متطرفة مرتبطة بحزب ديمقراطيي السويد، إس دي. يفنّد ليندبيرغ نظرية المؤامرة التي تتحدث عن «التغيير السكاني» وعن «الدولة العميقة» التي تعمل في الخفاء على تنفيذ ذلك التغيير، ويتتبع أصل النظرية وجذورها المستمدة من الفكر النازي.
هذه ترجمة مأذونة لمقال أندرش ليندبيرغ.

جنون يومسهوف من المسلمين سيزداد سوءًا
للكلمات مفعول السمّ البطيء

أندرش ليندبيرغ

في شهر مارس/آذار 1933، أي قبل نحو 90 عاماً تقريباً، توقفت صحيفة «مينشنير بوست» الألمانية عن الصدور. حطّم جنود قوات العاصفة التابعة للحزب النازي مكاتب التحرير فاضطر الصحفيون إلى الفرار. وكان أدولف هتلر قد انتُخب، قبل أكثر من شهر من ذلك، أي في 30 يناير/كانون الثاني 1933، مستشاراً لألمانيا.
أضمر هتلر الكراهية لصحيفة «مينشنير بوست»، وقد سمّاها «مطبخ السمّ» و«حيوانات مينشنير الضارّة». وكانت الصحيفة اشتراكية ديمقراطية التوجّه، وهي إحدى الصحف الألمانية القليلة التي أدركت مباشرة طبيعة هتلر والنازية. ابتداءً من عشرينيات القرن الماضي، كشفت الصحيفة سلسلة من الفضائح والمكائد ضمن الحزب، وكُتب بالتفصيل حول خطط هتلر السياسية. وفي 9 ديسمبر/كانون الأول نشرت الصحيفة بعض الوثائق النازية حول ما عُرف باسم «الحل النهائي» ليهود ميونيخ. وكانت تلك هي المرة الأولى التي يُذكر فيها هذا الاسم ضمن ذلك السياق.

وقع الهجوم النازي الأول على صحيفة «مينشنير بوست» عام 1926. ومع وصول النازيين إلى السلطة انتهى كل شيء. انتهى الأمر بالعديد من المحررين إلى السجن أو معسكرات الاعتقال.

لم يكن ردّ فعل البرجوازية الألمانية على الدفق المتواصل من أخبار «مينشنير بوست» سوى التجاهل وإدارة الأذن الطرشاء. وعلى الرغم من الكشف عن الكثير من سياسات هتلر ومضايقاته للمعارضين السياسيين، لم يهتمّ أحد بالأمر.

لعبت الأذن الطرشاء تلك دوراً مهماً. فمن دون المحافظين والليبراليين لم يكن هتلر ليصل إلى السلطة. وقد حدث التكيّف ببطء ولم يحدث خفية. وبدأ ذلك غالباً في سياق اللغة.

«يمكن للكلمات أن تكون أشبه بجرعات صغيرة من سمّ الزرنيخ: تُبتلع من دون انتباه، وتبدو وكأن لا تأثير لها، لكن بمرور بعض الوقت يبدأ مفعول السمّ بالظهور»، هذا ما كتبه اللغوي اليهودي الألماني فيكتور كليمبيرر.

يعلم جميع قراء روايات أغاثا كريستي البوليسية أن سمّ الزرنيخ يستخدم بهذه الطريقة المخادعة. يمكن للمرئ أن يُسمّم من دون أن يلاحظ أي شيء.

ومن خلال تغيير الحزب النازي لما يمكن قوله، وسّع أيضاً حدود ما يمكن فعله.

كشف برنامج «الحقيقة العارية»، الذي بُثّ هذا الأسبوع على القناة الرابعة TV4، كيف أدار المسؤول العقائدي في حزب الديموقراطيين السويديين (إس دي SD) ماتياس كارلسون، عبر واجهة صورية، مؤسسة عملت على نشر نظريات مؤامرة يمينية متطرفة حول المسلمين.

مؤسسة جمع التبرعات المعنية مستقلة عن الحزب، على الورق، لكن قناة TV4 عثرت على برهان يثبت حصولها مجاناً على مقر من حزب إس دي، بالإضافة إلى حصولها على تمويل منه.

لم يفاجئني ذلك تماماً.

طلبت قناة TV4 من خبراء في حركات اليمين المتطرف تدقيق البيان المؤلف من 17 صفحة الذي أصدرته المؤسسة.

– هذه رسالة كلاسيكية يمينية متطرفة. ويستند مضمون النص إلى نظريتين اثنتين من نظريات المؤامرة. الأولى هي نظرية مؤامرة حول التغيير السكاني. أما نظرية المؤامرة الثانية فتدور حول الدولة العميقة، بحسب كريستر ماتسون، مدير معهد سيغيرستيد في جامعة يوتيبوري.

بالنسبة لأولئك الذين ليست لديهم دراية تامة باللغة، قد يبدو ما تقدم غامضاً بعض الشيء.

نظرية المؤامرة المتعلقة بـ«التغيير السكاني» تدور حول فكرة مفادها أن الشعب السويدي، وغيره من الشعوب في الدول الغربية الأخرى، سستُستبدل بالمسلمين. والتغيير السكاني هذا تقوده نخبة خفية. وهذه فكرة مستمدة مباشرة من فكرة النازيين حول «المؤامرة اليهودية» التي تحكم في الخفاء.

ونظريات التغيير السكاني، بشكلها الحالي، صاغها الفرنسي القومي رينو كامو. وقد تأثر به بعمق كلّ من أندرس بهرنغ بريفيك الذي قتل 77 شخصاً في أوسلو وفي جزيرة أوتويا [النرويجية]، وبرينتون تيرانت الذي قتل 51 شخصاً في مسجدين في مدينة كريست تشرش النيوزيلندية.

ليست ناراً صغيرة هذه التي يلعب بها حزب إس دي.

«السويديون على وشك أن يصبحوا أقلية في بلدهم. ما يجري هو عملية أسلمة. وهذه ليست نظرية مؤامرة، بل حقيقة»، هذا ما كتبه ريكادر يومسهوف، [السياسي البارز في حزب إس دي و] رئيس لجنة العدل في البرلمان، على تويتر.

الآراء لا تعتبر حقائق، بالطبع، لكن تغريدة يومسهوف تعتبر مثالاً معبراً يبيّن كيف اندست نظريات المؤامرة اليمينية المتطرفة في صالونات السياسة السويدية. وما يقصده يومسهوف بـ«السويديين» ليس نحن المقيمين في السويد أو الذين نتحدث السويدية، بل تعريف حزب ديمقراطيي السويد لما هو سويدي، حيث أعطى الحزب لنفسه الحق في تحديد ما ينطبق عليه ذلك التعريف ومن لا ينطبق عليه.

بناء على ذلك، لا يمكن للمسلم أن يكون سويدياً، بل مجرد عنصر غريب- مندس- في التركيبة السويدية النقية. وهذا تكرار واستعادة للنظريات العرقية التي سادت في ثلاثينيات القرن الماضي، بالرغم من استبدال كلمة «العرق» بالـ«الهوية» أو «الثقافة»، لكن الفكرة هي نفسها من حيث المبدأ.

تعريف حزب إس دي للماهية «السويدية» هو نوع من المعادل البلاغي لقوانين نورمبرغ التي اعتمدتها ألمانيا عام 1935 والتي تنص على عزل اليهود اجتماعياً وقانونياً عن غير اليهود.

والمسلمون، بحسب مفاهيم حزب إس دي ليسوا سويديين. لقد رأينا مرات عديدة عبر التاريخ إلى أين ستؤدي هذه البلاغة. إن الفصل بين الناس الذين تربطهم أواصر مشتركة تترب عليه عواقب وخيمة. وقد حاول من قبل قياديون بارزون من حزب ديمقراطيي السويد، إس دي، عزل [أقليتيّ] السامر واليهود، لكنني لست متأكداً مما إذا كان هذا ما يزال سارياً. وبين الحين والآخر يسمع المرء من المحاورين البرجوازيين، ومن السياسيين، ضرورة أن لا يبالغ المرء في انتقاد اليمين المتطرف، لأنهم في الواقع ليسوا خطرين جداً، بل سيتكيفون وسيصبحون ديمقراطيين أخياراً.

بهذا الأسلوب يُبرّر الآن التعاون بين الأحزاب المحافظة والقوميين في أنحاء أوروبا كافة تقريباً، حتى في السويد. لقد أدرك صحافيو «مينشنير بوست» مضمون الخطاب البلاغي.

في كتاب مراسل صحيفة إكسبرسن ديفيد باس «انتصر أو متّ: تقرير»، (منشورات مونديال 2022)، يقدّم المؤلف بحثاُ بالغ الأهمية حول هذه المسألة.

ديموقراطيون السويد الذين يقودون الحزب اليوم لدى كلّ منهم بين خمسة عشر وعشرين عاماً من النضال السياسي في مواجهة رياح سياسية عاتية. لقد ضحى هؤلاء بمستقبلهم المهني، وأوضاعهم الاجتماعية، وسمعتهم من أجل الدفع بأفكار تعتقد عامة المجتمع أنها ملتوية. لقد عاشوا طويلاً ضمن الهامش السياسي لكنهم صمدوا مع ذلك.

إذاً، ما الذي سيغيّرهم الآن ليلطّفوا آراءهم بعد أن امتلكوا السلطة الفعلية لتطبيقها؟

لا شيء على الإطلاق.
تقديم وترجمة سامح خلف

Source: www.aftonbladet.se

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.