الاقتصاد السويدي وشظايا التراشق الإيراني الإسرائيلي

: 4/19/24, 4:51 PM
Updated: 4/19/24, 6:13 PM
الاقتصاد السويدي وشظايا التراشق الإيراني الإسرائيلي

العالم قرية صغيرة، مقولة قديمة، تتردد دائما عند الحديث عن انتشار تأثير الحروب والأوبئة والكوارث. ولكن مع تطور البشرية وارتباط الاقتصاديات العالمية ببعضها، أصبحت هذه القرية تصغر وتضيق أكثر وأكثر، لذلك تسعى الدول خاصة الصغيرة منها للانضمام إلى تحالفات إقليمية ودولية، لتحمي نفسها. التحالفات هنا ليست فقط عسكرية بل أيضاً اقتصادية ومالية، لذلك تم إنشاء مناطق تحالفات دولية تحمل إسماء ومصطلحات مالية واقتصادية، منها ما نجح في توحيد العملات الإقليمية مثل منطقة اليورو، ومنها ما يزال يسعى لذاك مثل البريكس ومجلس التعاون الخليجي.

ومع أن السويد عضو منذ فترة بالاتحاد الأوروبي وعضو مستجد في الناتو، إلا أن عدم انضمامها لمنطقة اليورو يعرض عملتها وأسواقها المالية إلى هزات في كل مرة تحدث اضطرابات في قريتنا، أو في كرتنا الأرضية. وعلى وقع التراشق الجديد بين إيران وإسرائيل، والأنباء عن غارات إسرائيلية على أهداف إيرانية، شهدت بورصة ستوكهولم انخفاضاً ملحوظاً، كما سجل سعر صرف الكرون تراجعاً أمام الدولار. وانخفض مؤشر سوق الأوراق المالية لبورصة ستوكهولم OMXS30 بنسبة 1.2 بالمئة بعد 10 دقائق فقط من بدء التداول، كما شهدت العملة السويدية تراجعاً مقابل الدولار الأمريكي بعد الأنباء عن رد إسرائيلي باستهداف مناطق في إيران.

حساسية الأسواق السويدية والعالمية إجمالاً اتجاه اندلاع حرب في الشرق الأوسط، قد تتمثل في كون الاقتصاد العالمي لا يتحمل نتائج حرب جديدة في منطقة مهمة، خاصة مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية التي قد لا تشهد نهاية سريعة وسعيدة بالنسبة للغرب. تعطل منطقة تعد مصدر مهم للطاقة في ظل تراجع الاعتماد على روسيا يمكن أن يحدث هزة اقتصادية عالمية خطيرة، وهذا ما تدركه الولايات المتحدة بشكل جيد، لذلك سارعت إلى كبح هيجان نتنياهو وحكومته اليمينية والتي كما يبدو كانت تريد إشعال مثل هذه الحرب.

مسألة ارتباط حجم الدول ودورها بمفهوم “المسؤولية” نراه واضحاً من خلال ما يجري من حرب وصفها العديد من السياسيين والمختصين بأنها “حرب إبادة”، أو على الأقل تقترب من أن تكون كذلك بحسب آخرين. انعدام أو تلاشي الشعور بالمسؤولية الإنسانية والأخلاقية من قبل إسرائيل، حسب هؤلاء السياسيين والمختصين، يُبرر بأنها دولة صغيرة. وتلعب إسرائيل، وفق هؤلاء، دول الطفل المشاكس أو المراهق العاق الذي يتصرف بدون حساب أحياناً، فيُغضب أهله أي الدول الغربية، لأنه يشكل لهم صداعاً ومتاعب، مع أن هذا المراهق غير المسؤول، يعرف بالنهاية أن الدول الغربية لن تتخلى عنه لأنه “طفلها المدلل”.

لويس ميغيل الناطق باسم الاتحاد الأوروبي في الشرق الأوسط، وفي إجابته قبل أيام على سؤال لقناة الجزيرة يتعلق بسبب عدم قيام الاتحاد الأوروبي بمجرد التلويح بفرض عقوبات على إسرائيل، أمام حجم هذه المجازر التي ترتكبها بحق المدنيين في غزة، أجاب: صحيح هذا السؤال في محله، ولكن من أجل اتخاذ مثل هذه العقوبات على دولة خارج الاتحاد الأوروبي يجب أن يكون ذلك بقرار جماعي توافق عليه كل الدول الأعضاء. الاجماع موجود عندما نتحدث عن روسيا أو عن إيران بالمقابل لا يوجد حتى مجرد اقتراح من أية دولة أوروبية حول هذا الامر. هناك اقتراحات من قبل اسبانيا وايرلندا بإعادة النظر بالاتفاقيات التجارية بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل.

حقيقة الاختلاف بالتعامل مع إسرائيل وبغرض العقوبات على غيرها ولكن ليس عليها، يمكن أن لا تستمر طويلاً في حال وجد الغرب نفسه متورطاً أكثر بمشاكسات وتصرفات قادة إسرائيل غير المسؤولة. ولعل موضوع الاقتصاد الذي نتحدث عنه هو خط أحمر بالنسبة للعديد من الدول الأوروبية حالياً، والتي لا تستطيع الإجماع الآن على ضرورة معاقبة “الابن المدلل”، لكنها متفقة على ضرورة لجمه في حال تعدى خطوط الضرر الاقتصادي. لهذا السبب ليس لدى هذه الدول الغربية أو معظمها أية مشكلة، كما يبدو باستمرار عبث الحكومة الإسرائيلية في غزة، حتى عندما تكون حياة مئات الآلاف من البشر في رفح مهددة بالإبادة، طالما شظايا هذا العبث لا تلحق الضرر باقتصاداتهم.

محمود آغا

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.